بيان إلى الرأي العام
ما إن بدأ الحراك الشعبي في سوريا عام 2011 كردّة فعل على سياسات الدولة المركزية والإقصائية والإنكارية، في كافّة المجالات الحياتية، مطالبةً بالحرية والتغيير الديمقراطي والكرامة الإنسانية، وبعد تدخّل قوى دولية وإقليمية بشكل مباشر وغير مباشر على خط الأزمة السورية، وفقاً لأجنداتها ومصالحها الدولتية، وأدخلت المجاميع الراديكالية الإسلاموية من كل حدب وصوب ومن جميع أصقاع العالم؛ مما أدى إلى انحراف الحراك الشعبي عن مساره وأهدافه ومطالبه، ودخل في أتون حروب عبثية أثنية داخلية دموية، وانقلبت إلى حروب بالوكالة وتصفية حسابات على حساب الشعوب السورية.
بموازاة هذه المأساة كانت هنالك قوى وطنية تمتلك إرثاً نضالياً، وإرادة حرّة وواعية، وفقاً لرؤى مختلفة تبحث في كينونة الأزمة وبنيتها المجتمعية والتاريخية، مقدمة لمشاريع حل ديمقراطية متكاملة وشاملة، وعلى أساسها انطلقت ثورة 19 تموز لعام 2012 ، والتي انضمت إليها باقي الشعوب والمكونات في مناطق شمال وشرق سوريا، ونظّمت نفسها في أُطر سياسية ومجتمعية واقتصادية وعلى كافة المستويات خدمة لأبنائها.
ورغم التحديّات والصعوبات داخلياً وخارجياً إلّا أنّ أبناءها توافقوا وتآلفوا حول الإعلان عن الإدارة الذاتية بتاريخ 21/01/2014 في كل من مناطق الجزيرة وكوباني وعفرين، والتي كانت بمثابة الركيزة والانطلاقة الأولى لانطلاق مشروع الإدارة الذاتية، كمشروع حل ديمقراطي سوري لما تعانيه سوريا من أزمة مركّبة ومتلازمة تاريخياً.
هذه الإدارة التي عملت بيد لخدمة وادارة منطقته، ودافعت وحاربت باليد الأخرى التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها، التي هاجمت هذه التجربة الفتية بالوكالة عن مصالح بعض الدول الإقليمية، وعلى رأسها تركيا التي ما برحت يوماً محاربة كل مشروع ديمقراطي يخدم ويرسم مستقبل شعوب ومكونات المنطقة.
هذه الإدارة التي حاربت الإرهاب العالمي على الجغرافية السورية نيابة عن العالم، استقطبت كل المكونات والأثنيات لتلتف من حولها وتنضم إليها، وقدّمت الغالي والنفيس وضحّت بخيرة أبنائها لتحرر منطقة تلو الأخرى من رجس الإرهاب وظلام العصر المتمثل في داعش وأخواتها، حتى الوصول إلى تحرير الرقة عاصمة الخلافة المزعومة في تشرين الأول لعام 2017، وتحرير آخر معاقل التنظيم الداعشي في الباغوز كنتيجة لتحرير مناطق شاسعة من الشمال والشرق السوري من التنظيم الإرهابي داعش؛ تشكّلت أربع إدارات مدنية بالإضافة إلى الإدارات الذاتية الثلاث.
وكحاجة وضرورة لتوحيد وتنسيق الطاقات في الإدارات السبع في هيكلية وإطار تنسيقي واحد أُعلن في السادس من أيلول 2018 عن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في مدينة عين عيسى، بهيكليتها الحالية والتي وُزّعت على مجالس ثلاث “تشريعية، قضائية، تنفيذية” متضمنة مؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية.
هذه الإدارات التي بُنيت على حوامل وطنية ومجتمعية واضعة نصب عينها الحل الشامل والكامل، وهو النموذج الأمثل لحل كافّة القضايا العالقة في سوريا والمنطقة، وفق مبدأ التعايش المشترك والتنوع الثقافي والمستند على فكرة وفلسفة الأمة الديمقراطية، اعتماداً على إرادة المجتمع في إدارة ذاته وتحقيق مطالبه واحتياجاته مع الحفاظ على الحدود السياسية للجغرافية السورية.
وبحلول الذكرى الرابعة للإعلان عن الإدارة الذاتية في السادس من أيلول لهذا العام وما زالت الأزمة السورية تراوح مكانها دون وجود حل يلوح في الأفق، تزداد معها معاناة الشعوب السورية في الهجرة والتهجير القسري، ناهيكم عن ارتكاب الجرائم من قبل الدولة التركية في المناطق المحتلة ترتقي معظمها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية .
وبهذه المناسبة ورغم كل التحديات والعقبات التي واجهت وتواجه الإدارة فانّها تعمل بما لديها من طاقات متواضعة في تحقيق آمال وطموحات شعبنا من النواحي الخدمية والأمنية والسياسية، في ظل التهديدات والحصار المستمر من قبل القوى المناوئة لها، فانّها خطت خطوات تاريخية وحققت مكتسبات لكل أبناء الوطن.
وفي هذه الذكرى نحن في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في الوقت الذي نعاهد فيه أبناء الوطن السوري عموماً وشمال وشرق سوريا خصوصاً أن نسير على خطى أبنائنا الشهداء في سبيل تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية، للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة وحماية المكتسبات التي حققتها شعوب المنطقة، المتمثلة في مشروع الإدارة الذاتية ومؤسساتها المدنية والعسكرية من الهجمات المختلفة، التي تتعرض لها.
وكما أنّها تتعهد بأنٍها ستعمل على جميع الأصعدة لتحرير المناطق المحتلة عفرين -سري كانيه- كري سبي تل أبيض، التي تُشكّل جزءاً استراتيجياً من مناطق الإدارة الذاتية والعودة الكريمة والآمنة لكل شعبنا وأهلنا المهجرين قسراً .
ندعو كافّة شعوب المنطقة ومكوناتها وبكافّة الشرائح المجتمعية إلى الالتفاف حول مؤسسات الإدارة الذاتية العسكرية والمدنية منها والانخراط في صفوفها، لتكون أكثر فاعلية وقدرة في إنجاز المهام والخدمات الحياتية الموكلة إليها، متآلفين متضامنين في الذود عن هذا المكتسب الوطني التاريخي الذي أصبح مشروع الإدارة الذاتية مشروعاً يُحقق آمال جميع السوريين، ونواة تُرسم حوله ملامح سوريا المستقبل ، وأضحت نموذجاً للحل السياسي لجميع الأزمات البنيوية في سوريا والمنطقة.
كما ندعو المجتمع الدولي للقيام بواجبه الأخلاقي والإنساني والقانوني في إبداء موقف واضح وصريح إزاء الهجمات التي تتعرض لها مناطق الإدارة الذاتية من قبل المحتل التركي ومرتزقته واستهدافه للبُنى التحتية والأعيان المدنية والسكان المدنيين والبحث عن إيجاد حلول سياسية ينخرط فيه كل السوريين الفاعلين على الأرض كلٌ حسب خصوصيته لتكون سوريا ديمقراطية لكل السوريين.
الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا
عين عيسى في 6/9/2022